,

معركة وادي المخازن(الملوك الثلاثة)

وفى صباح يوم الاثنين 30 جمادى الآخرة 986 هجرية، وقف الجيشان في يوم مشهود من أيام الإسلام عامة والمغرب خاصة، ووقف السلطان "عبد الملك السعدي" خطيباً في الناس مذكراً بوعد الله عز وجل للصادقين والمجاهدين بالنصر، وذكرهم بوجوب الثبات والانتظام، وذكرهم بحقيقة مهمة جداً عندما قال: [إن انتصرت الصليبية اليوم فلن تقوم للإسلام بعدها قائمة، وقرأ آيات الجهاد]، واشتاقت النفوس للشهادة، وفى المقابل لم يألُ القسس والرهبان في إثارة حماس جنودهم, مذكرين أن البابا قد أحلهم من أوزارهم وخطاياهم، وطهّر أرواحهم من الدنس، وأن كل من سيموت في هذه الحرب سيدخل الجنة بلا شك!
انطلقت عشرات الطلقات النارية من مدافع الفريقين إيذاناً ببدء المعركة، وكان السلطان "عبد الملك" قد قام بخطة محكمة استدرج بها "سبستيان" لموقع القتال، وعزله عن أسطوله الرابض بالبحر المتوسط بعدما قام بهدم القنطرة الموجودة على نهر وادي المخازن، وهذا الأمر أفقده ميزة الانسحاب المنتظم عند الهزيمة.
احتدم القتال في أرض المعركة، والبطل الكبير قائد المسلمين "عبد الملك السعدي" يخترق الصفوف كالسهم وهو يقاتل قتال الأسود، وهو رأس حربة المسلمين في القتال يمهد لهم السبيل والطريق لاختراق صفوف الصليبيين، هذا كله رغم مرضه الشديد الذي كان يعاني منه منذ أن خرج من مراكش للجهاد، وهذا الإقدام والمباشرة للقتال بنفسه جعل علته تزداد عليه بشدة، حتى حملوه مدنفاً إلى خيمته وهو في النزع الأخير، وقد أصر هذا البطل الشجاع أن يعطينا درساً في الحزم والشجاعة، حتى وهو يجود بروحه عندما فاضت روحه وهو واضع إصبعه على فمه إشارة لمن معه عند وفاته بألا يخبروا أحداً من الجنود بوفاته، حتى لا تنهار معنوياتهم أمام عدوهم، وتولى القيادة مكانه أخوه الأمير "أحمد المنصور".
قام البطل الجديد "أحمد المنصور" بقيادة الجيش، وقلبه مشحون بالغيظ والعزم على النصر، فصدم مؤخرة الجيش البرتغالي بمنتهى العنف، وأشعلوا النار في خيام معسكر الصليبيين، وانقضت كتيبة المجاهدين المتطوعين على فرق الرماة الصليبية، ففتكت بها فتكاً ذريعاً واضطرب الجيش الصليبي بشدة، وبدأوا في الفرار من أرض المعركة إلى قنطرة نهر وادي المخازن لركوب الأسطول والفرار، ولكنهم فوجئوا بتهدمها، فوقفوا مصعوقين مذهولين ماذا يفعلون، فإذا بكتائب فرسان المسلمين من خلفهم، فقفز معظم الجيش الصليبي في النهر هرباً من سيوف المسلمين، فغرق معظمهم في مياه النهر الهادرة التي أصبحت قبراً لهم، وكان على رأس من ابتلعتهم مياه النهر رمز الخيانة والغدر المخلوع "محمد المتوكل"، الذي لا تكفيه مياه الأنهار والمحيطات لتطهره من دنس خيانته، وخطيئته في حق دينه وأمته، أما الأمير "سبستيان" فقد نال جزاءه وقتل،وحوله ألوف تدافع عنه، واستمرت هذه المعركة أربع ساعات وثلث الساعة، وانتهت بفوز ساحق وباهر للإسلام وأهله، وقد مات في هذه المعركة ثلاثة ملوك، بطل مجاهد نحتسبه شهيداً وهو "عبد الملك السعدي"، وخائن مخلوع وهو "محمد المتوكل"، وصليبي حاقد وهو "سبستيان" ملك البرتغال.
أدت هذه المعركة الخالدة لتأمين حدود دولة الإسلام من ناحية الغرب، وسقط نجم نصارى البرتغال في عالم البحار، واضطربت دولتهم، وضعفت شوكتهم، يقول المؤرخ البرتغالي "لويس ماريه" واضعاً نتائج المعركة: [وهو العصر النحس بالغ النحوسة "هذا الوصف لا يجوز شرعاً" الذي انتهت فيه مدة الصولة والظفر والنجاح, وانتهت فيه أيام العناية من البرتغال، وانطفأ مصباحهم بين الأجناس، وزال رونقهم، وذهبت نخوتهم وقوتهم، وخلفها الفشل الذريع، وانقطع الرجاء، واضمحل الغنى والربح، وهو ذلك العصر الذي هلك فيه "سبستيان" في القصر الكبير في بلاد المغرب].


تعليقات
0 تعليقات

0 التعليقات:

جميع الحقوق محفوظة @ 2016 أنا مساــم.

Designed by Templateism